لم يكن أحد ليتوقع تلك الثورة الشعبية الجامحة التي حدثت في مصر
العروبة والكرامة، فبعد ثورة تونس الأبية والتي أطلق شرارتها الأولى "البوعزيزي"
البائع المتجول الذي أضرم النار في نفسه نتيجة الظلم الذي وقع عليه من أحد أفراد
المؤسسة الأمنية في تونس، تلك الشرارة التي وضعت حجر الأساس لانطلاق ثورة عربية شعبية
كبرى في المنطقة وهي ما يطلق عليها الآن "الربيع العربي" ،نعم مات "البوعزيزي"
ولكن بموته صحت ملايين الضمائر العربية التي كانت نائمة لسنوات طويلة منذ سقوط
فلسطين في أيدي الاحتلال الصهيوني الغاشم عام 1948م وما تلا تلك المرحلة من أحداث
مؤسفة على الأمة العربية، ولو أننا تنفسنا الصعداء قليلاً في حرب 1973م المجيدة بين مصر وسورية من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، تلك
الحرب التي انتهت بانتكاسة مذلة للدولة الصهيونية ورد كيدها إلى نحرها وتحرير كامل
أرض سيناء واختراق خط "بارليف" الحاجز الحدودي الشهير نتيجة للحرب
الضروس التي استمرت قرابة 6 أيام والتي دارت رحاها في أرض عربية تعتبر قلب الأمة
النابض بالكرامة والإباء، ولكن تلك الحرب الشرسة لم تحقق كامل أهدافها ولم تحرر
أرض الجولان السورية المحتلة إلى الآن من عدو غاصب جاثم على جسد الأمة لأكثر من
نصف قرن.
نعم حدث ما حدث في موقعة سيناء بالأسبوع الماضي حينما تم إطلاق النار
على حرس الحدود المصريين وقتل على أثرها 16 جندي وأحسبهم عند الله شهداء، ذلك
الهجوم الذي لم يُعرف منفذيه الحقيقيين إلى الآن، فإسرائيل ترمي التهمة على
الجماعات الإسلامية والجماعات الإسلامية ترمي التهمة على إسرائيل وهناك من يرمي
التهمة على المسلحين في أرض سيناء من بدو سيناء، حتى الغافل سيعلم أن ذلك الهجوم
أتى من تدبير إسرائيل أو كانت تملك معلومات ولكن تغاضت عنها لخدمة أهدافها وكلنا
يعلم المستوى المتقدم للمخابرات الإسرائيلة على مستوى العالم، إسرائيل لم تتوقع ردة
الفعل المصرية العنيفة من خلال قرارات الرئيس "مُرسي" التي اعتبرت "تنظيفاً"
للنظام المصري الجديد من أركان النظام السابق البائد، ذلك النظام الذي ظل مكبلاً بمعاهدة
كامب ديفيد لأكثر من 40 عاماً، تلك المعاهدة التي اخترقتها إسرائيل مرات ومرات وكان
حرياً أن تلغى من الجانب المصري نظراً لأن أحد شروطها الرئيسية قد تم اختراقه
ونقضه.
أخيراً دخلت القوات المصرية بأعداد كبيرة وبأسلحتها الثقيلة إلى أرض
سيناء بدون أخذ إذن إسرائيل بذلك لتفرض سيادتها الحقيقية على كامل الأرض المصرية،
ذلك الحدث اللافت قد هز مضاجع إسرائيل وجعلها في خوف وقلق مُستمرين، نعم تلك القرارات
قد أعادت جزءاً بسيطاً من الكرامة العربية بعد أن كان النظام السابق يأخذ الإذن من
إسرائيل حينما يريد زيادة القوات في سيناء أو إعادة انتشارها، تلك القوات الهزيلة
التي لم تتجاوز 700 فرد وبأسلحة خفيفة وفقاً لمعاهدة "كامب ديفيد" غير
المنصفة.
بلا شك بأن "الإعلان الدستوري المكمل" الذي أحسن صياغته
المجلس العسكري بتواطؤ من المحكمة الدستورية والتي عين قضاتها الرئيس المخلوع يعتبر
تجاوزاً للشرعية والتفافا للثورة المصرية المجيدة وتكبيلاً لصلاحيات الرئيس
المنتخب ديمقراطيا وفق إرادة شعبية وانتخابات نزيهة قل مثيلها، المجلس العسكري لم
يقف على الحياد فانحاز إلى المرشح الآخر أحمد شفيق أبرز رموز النظام البائد ظناً منه أن ذلك في مصلحة مصر وشعبها وخوفهم من
تقدم الإسلاميين وسيطرتهم على الحكم بإرادة شعبية واسعة أخيراً بعد سنوات من
النضال و الحظر المفروض عليهم من خلال عدم ممارستهم حقهم السياسي والذي كفلته
دساتير الأرض وشرائعها السماوية.
إن إعلان الرئيس"مُرسي" بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل
يعتبر إنجازاً حقيقياً حيث عادت على أثره جميع صلاحيات الرئيس المسلوبة من بينها
قرار إعلان الحرب من عدمه، ولاشك أن قرارات إحالة عدد من القادة الأمنيين
والعسكريين إلى التقاعد تعتبر استكمالاً لمسيرة تنظيف الدولة من عناصر النظام
المخلوع واستعادة لهيبة مصر وصيانة لثورتها، ولا أستبعد أن يُعاد مجلس الشعب
المنتخب ديمقراطيا لممارسة أعماله بعد حله بقرار من المحكمة الدستورية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق