ما زلت أذكر جيداً
تلك الحادثة المأساوية التي وقعت في إحدى تقاطعات الباطنة والتي راح ضحيتها عدد من
الطالبات الجامعيات، كان يوم جمعة مأساوي بامتياز،بالمصادفة كنت على طريق الموت
نفسه بعد وقوع الحادث بدقائق، تلك الحادثة التي لم تفارق مخيلتي إلى الآن لفجاعتها،
فالمشهد كان صادماً ولم يكن متوقعاً، تلك المأساة التي تسببت في إغلاق أغلب
تقاطعات الباطنة في قرار سريع اتخذه المسؤولين لوقف نزيف الدماء المستمر، للأسف
كان حلاً رديفاً ومؤقتاً على الرغم من مرور أكثر من عامين على ذلك القرار،وما زال
الوضع على ما هو عليه!!، وكأنهم بإنتظار فاجعة أخرى ليتحركوا من جديد ويكملوا ما
بدأوه.
... لم يحدث شيء
سوى إغلاق التقاطعات وبعض المحاولات الخجولة لإنعاش ذلك القرار كالبدء أخيراً في
تحويل دوار صحار إلى جسر علوي وبناء جسر رئيسي في بركاء وبعض التحويلات هنا وهناك،
ولكن أين هي الحلول العملية الجذرية لبقية الدوارات والتقاطعات؟، لماذا لا تعاد
صيانة طريق الباطنة بالكامل من جديد؟، فتبنى الجسور والأنفاق بدل الدوارات
والتقاطعات، وتُوسع أكتاف الشارع من الجانبين وعمل الحمايات اللازمة كطريق مسقط
السريع مثلاً، كل ذلك اذا ما تم وفقاً للمواصفات العالمية للسلامة المرورية سيسهم
وبشكل ملفت للأنظار في تقليل مستوى الحوادث؛ لأن نسبة الأمان قد زادت وبالتالي
سيقل عدد ضحايا الحوادث، من جهة أخرى لن تتعطل مصالح المواطنين في جانبي الشارع؛
فالكثير منهم يسكنون في جهة ويمتلكون مصالح وأملاك في الجهة الأخرى من الشارع
الرئيسي كالمزارعين وأصحاب المحلات
التجارية وحتى طلاب المدارس الذين يقطعون عشرات الكيلومترات يومياً للمرور بأقرب
دوار وبالتالي العبور إلى الجهة المقابلة ذهاباً وإياباً من وإلى المدرسة!، كل ذلك
يزيد من مصروفات وجُهد ومعاناة تلك الفئات، فكان من الأحرى منذ البداية أن توضع
الخطط البديلة المناسبة ليتم تطبيقها على أرض الواقع بدون أي تأخير وبالتالي عدم الإضرار
بأرواح ومصالح المواطنين.
في إطار متصل ووفقاً
لإحصائيات الإدارة العامة للمرور حيث تفيد بأن عدد الحوادث في مختلف مناطق السلطنة
في شهر يونيو وحده بلغت 771 حادث مروري، حيث تسببت تلك الحوادث في وفاة أكثر من
100 شخص وبلغت عدد الإصابات أكثر من 980 إصابة، وتراوحت تلك الإصابات بين الإعاقات
المستديمة والإصابات بالغة الخطورة وأخرى طفيفة! حيث نالت محافظتي جنوب وشمال
الباطنة النسبة الأكبر من تلك المحصلة بأكثر من 30 ضحية، في حين لو قارنا تلك
الإحصائية بإحصائية أخرى لدولة صديقة ألا وهي جمهورية (العراق) والتي تعاني من
العنف يومياً سنجد بأن عدد قتلى الشهر الماضي (يونيو) بلغ 280 شخص على الأقل وأصيب
المئات بجروح جراء أعمال عنف متفرقة وقعت خلال شهر يونيو الماضي في عموم العراق،
وفقا لحصيلة أعدتها وكالة فرانس برس استناداً إلى مصادر أمنية وطبية عراقية كما
ذكرت قناة سكاي نيوز العربية، في حين أن عدد سكان السلطنة يقارب 3 مليون نسمة وعدد
سكان العراق أكثر من 30 مليون نسمة، بمعنى أن عدد ضحايا الحوادث في دولتنا الحبيبة
يفوق بكثير عدد ضحايا العنف في العراق بالمقارنة بعدد سكان الدولتين،بحيث أن
النسبة ستكون (1 / 10) !.
بالفعل أرقام مذهلة
ونزيف الطرق ما زال مستمر على الرغم من الجهود الحثيثة "للحد من حوادث المرور"
"وتجنب أخطاء الآخرين" وهي الشعارات التي لطالما سمعناها ونسمعها يومياً
بمختلف الوسائل الإعلامية، لكن المشكلة ليست في الحملات الإعلامية المكثفة ولكن
المشكلة في عدم تأهيل الطرق العامة لتتوافق مع المعايير الدولية للسلامة المرورية،
فطريق الباطنة مثلاً بدواراته المزعجة والذي أنشأ في الثمانينات لم يعد يستوعب
الحركة المرورية الكثيفة؛لإفتقاره لعدد من معايير السلامة المرورية كالجسور،
الأنفاق، الإشارات الضوئية ،الأكتاف الجانبية في بعض المناطق، بالإضافة إلى
التشققات التي يعاني منها الطريق في بعض الأماكن، وعلى الجانب الآخر أيضاً عدم مخالفة
أصول القيادة في الطريق لأن القيادة فن وذوق وأخلاق وهي المبادئ التي لطالما نتغنى
بها ولا يطبقها الكثير منا على أرض الواقع للأسف، شخصياً أنا مع تغليظ العقوبات
على المتهورين وتشديد الرقابة على رخص القيادة الجديدة؛ فمن يستحق الرخصة يحصل
عليها ويظل تحت المراقبة لشهور حتى تثبت أهليته لتلك الأمانة.
شيء آخر،لماذا يمر
طريق الباطنة الرئيسي بمجاري الأودية في بعض المناطق !؟،وحينما تأتي الأودية
الجارفة تأخذ معها كل ما يصادف في طريقها حتى الطريق نفسه في بعض المناطق،وبعدها يتم الإعلان عن مناقصة أخرى لصيانة الشارع من
الأضرار التي حدثت به !، ألم يكن من الأحرى منذ البداية أن يتم عمل مجاري خاصة
بالأودية بحيث يمر الشارع فوق تلك المجاري بدون أن تتأثر الحركة المرورية بشيء،وهو
عكس ما نجده في الوقت الحالي للأسف؛حيث نجد طوابير طويلة من السيارات والشاحنات
تقف في الطريق عند جريان الأودية وقد تصل مدة الإنتظار في بعض الأحيان ليوم كامل
حتى يضعف منسوب تلك الأودية!؛وبالتالي ترجع الحركة المرورية تدريجياً إلى وضعها
الطبيعي بعد حين!، ولكن ما ذنب المواطنين
حينما تتعطل مصالحهم وتتعطل أيضاً الحركة التجارية والإقتصادية والسياحية وتبقى
تلك الحركة مرهونة بضعف وقوة تلك الأودية في حين كان بالإمكان تجنب تلك الهفوات
منذ البداية!.
إذن ومن باب التسهيل
على المواطنين فلابد من إيجاد الحلول العملية السريعة للتعامل مع طريق الموت هذا
بكل إحترافية؛ لأنه إستنزف الكثير من الدماء الغالية على قلوبنا وقد حان الأوان
لوقف ذلك النزيف بالطريقة الأمثل بالفعل ووفق المعايير العالمية المتبعة في هذا
المجال، وأيضاً حتى لا تتعطل المصالح الحكومية والخاصة بسبب سوء التخطيط، وكلي ثقة
بالمخلصين الذي يعملون من خلف الكواليس لإيصال مثل تلك النداءات للمسؤولين حتى
تنتهي تلك المعاناة ويطوى آخر فصل من فصول تلك المعاناة والتي لا تكاد أن تنتهي إلا
بقرار جريء من مسؤولينا الكرام، على أن يؤخذ بعين الإعتبار الخسائر البشرية
والمعنوية فوق الخسائر المادية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق